هل تعلم من أين أخذ البخاري ومسلم قصة كذبات إبراهيم ؟

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والسلام على من إتبع الهدى أما بعد


لا يخفى على كل من يغوص ويتعمق فيما يسمى بكتب الحديث التخاريف اليهودية والمسيحية المعششة فيها، ولكن موضوعنا اليوم حول أكذوبة لفقها البخاري ومسلم وغيرهما حول النبي إبراهيم عليه السلام أنه كذب ثلاث كذبات، وهذا حديث موضوع بلا شك، وأغلبية المسلمين يعرفون هكذا رواية ولكن الأغلبية بطبيعة الحال لا يعلمون من أين نقلها البخاري ومسلم وقاموا بتركيب سند لها ونسبوها زورا وبهتانا للنبي عليه السلام.


هذه الرواية أخرجها البخاري ومسلم في عدة مواضع من كتابيهما

الأولى في حديث الشفاعة المعروف الذي أخرجه البخاري (4712) ومسلم (194) : " اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ"


والثانية البخاري (3358) ومسلم (2371) : "لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات ثنتين في ذات الله؛ قَوْلُهُ {إني سقيم}، وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا} . وقال :بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن هاهنا رجلا معه إمرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي



والثالثة أخرجها البخاري (5084) ومسلم (2371) :"لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ إلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ: بيْنَما إبْرَاهِيمُ مَرَّ بجَبَّارٍ ومعهُ سَارَةُ فَذَكَرَ الحَدِيثَ، فأعْطَاهَا هَاجَرَ، قالَتْ: كَفَّ اللَّهُ يَدَ الكَافِرِ وأَخْدَمَنِي آجَر."



طبعا بعيدا عن أن هذه الروايات موضوعة حتى واضعها ترك علامة تظهر جهله في تأليفها ففي الآيتان لم يكذب إبراهيم عليه السلام وإنما هذا أسلوب بلاغي معروف يسمى بأسلوب التورية وهو أن تقول كلمة أو جملة تحمل معنيين أحدهما أقرب إلى الذهن ولكنه غير المقصود والثاني بعيد إلا أنه المقصود وهذا أسلوب موجود في القرآن العظيم

﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ النحل (106).

قَالَ جَلَّ في عُلاه: ﴿۞لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾ النساء (148).

فقول إبراهيم عليه السلام (بل فعله كبيرهم هذا) وقوله (إني سقيم)

هو مثله قوله في سياق محاججة قومه في الأنعام :

﴿فَلَمّ جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)

وبعد هذه المحاججة قال تعالى :﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ الأنعام (83).


فالنبي إبراهيم عليه السلام لم يكذب حينما قال عن الكوكب والقمر والشمس (هَذَا رَبِّي) لأن هذا سياق محاججة فلا يعتبر كذبا ونفس الأمر بالنسبة لتحطيم الأصنام وقوله : (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا)

ومن آمارات حماقة مخترع هذه الرواية أنه لو أكمل الآية فقط لإتضح أن إبراهيم عليه السلام لم يكذب أصلا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ الأنبياء (63).

إذا قوله بل فعله كبيرهم هذا هو سياق محاججة لإبطال عبادة الأصنام مثله مثل إبطاله لربوبية الأفلاك ولا أدري كيف إعتبروا هذا كذبا.

وعلى طاري الكذب نجد البخاري ومسلم نفسيهما أخرجا في كتابيهما (59)، و(33) :"آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب"


فهل إبراهيم كان منافقا ؟

طبعا للأمانة هناك من أنكر هذه الرواية كالفخر الرازي وإعتبرها من تخاريف الرواة الحشوية وهناك الكثير ممن قالوا أن الكذب في الرواية ليس على ظاهره ووو وغيرها من التبريرات التي ما أنزل الله بها من سلطان.




عموما ليس هدفنا في هذا المقال بيان بطلان هذه الرواية بقدر ماهو توضيح من أين أخذها البخاري ومسلم ونسبوها للنبي محمد

في سفر التكوين -العهد القديم- الإصحاح الثاني عشر:

"9 ثم ارتحل إبراهيم ارتحالا متواليا نحو الجنوب

10 وحدث جوع في الأرض، فانحدر إبراهيم إلى مصر ليتغرب هناك، لأن الجوع في الأرض كان شديدا

11 وحدث لما قرب أن يدخل مصر أنه قال لساراي امرأته: إني قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر
12 فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون: هذه امرأته. فيقتلونني ويستبقونك
13 قولي إنك أختي، ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك
14 فحدث لما دخل إبراهيم إلى مصر أن المصريين رأوا المرأة أنها حسنة جدا
15 ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون، فأخذت المرأة إلى بيت فرعون
16 فصنع إلى إبراهيم خيرا بسببها، وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال
17 فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراي امرأة إبراهيم
18 فدعا فرعون إبراهيم وقال: ما هذا الذي صنعت بي ؟ لماذا لم تخبرني أنها امرأتك
19 لماذا قلت: هي أختي ، حتى أخذتها لي لتكون زوجتي ؟ والآن هوذا امرأتك خذها واذهب.
"


نعم ياسادة هذه القصة الخرافية نقلها البخاري ومسلم من سفر التكوين وقاموا بتلفيق سند لها ونسبوها زورا وبهتانا للنبي عليه السلام وكأن النبي كان ينقل تخاريف اليهود والنصارى ويحدث بها.

وبطبيعة الحال كل عاقل وضع سبعين خطا تحت كلمة عاقل سيكتشف أن الرواية ملفقة من أولها لآخرها

والذي لاحظته أن معظم طرق هذه الرواية من طريق 'أبو هريرة'

وإذا عرف السبب بطل العجب.








واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.







Comments

Popular posts from this blog

خرافة حاطب بن أبي بلتعة

خرافة عوج بن عنق