خرافة زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم
في تاريخنا الإسلامي، تتعدد الروايات والأحداث التي تحيط بحياة الصحابة، وبعض هذه الروايات إن لم نقل معظمها تنطوي على تفاصيل مشكوك فيها، قد تكون محطَّ نقاش دائم. واحدة من هذه الروايات هي قصة زواج الخليفة عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب نالت شهرة واسعة على مر العصور، تراوحت بين مؤيدين لهذه الرواية وبين من شكك في صحتها. إذا كانت هناك من شكوك حول هذه القصة، فهي نابعة من عدم تطابق الروايات التاريخية، والتناقضات الواضحة في السند والمتن، ما يعزز الفكرة بأن القصة قد تكون محض خرافة تم ترويجها لغايات معينة. في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل هذه الرواية، ونكشف عن الأدلة التي تفضحها، معتمدين على مناهج نقدية وفحص دقيق للروايات التاريخية. هدفنا ليس التشكيك في مقام الصحابة أو الإساءة لهم، بل تسليط الضوء على الأبعاد التاريخية والتأكيد على أهمية التوثيق الصحيح في فهم سيرتهم.
الهدف في النهاية من هذا المقال ليس فقط تصحيح الأخطاء التاريخية، بل أيضًا إعادة النظر في كيفية التعامل مع الروايات المجهولة وتفسيرها وفقًا للمعايير العلمية الصحيحة، بعيدًا عن الهوى والافتراءات.
خرافة زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم
من بين القصص التي تم تداولها على مر العصور في التاريخ الإسلامي، تأتي قصة زواج الخليفة عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، لتكون واحدة من أكثر الروايات إثارة للجدل. رواية هذه القصة طُرحت في العديد من الكتب والمراجع التاريخية، مما جعلها محطَّ نقاش واسع بين العلماء والمؤرخين. في هذا المقال، سنبحث في صحة هذه الرواية، ونكشف التناقضات الموجودة فيها، إضافة إلى الإشكاليات السندية التي تضعف من مصداقيتها.
الرواية المتداولة:
الرواية الأكثر شهرة بشأن هذه القصة هي أن عمر بن الخطاب تزوج من أم كلثوم ابنة الإمام علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء، ولكن هذا الزواج - بحسب الروايات - كان بموافقة الإمام علي الذي كان قد عرضها عليه. حيث تذكر بعض المصادر أن عمر سأل عليًا عن زواج أم كلثوم، فأجابه الإمام علي موافقًا على طلبه، ولكن تذكر بعض الروايات الأخرى أن الزواج تم عن طواعية و قبول من الطرفين.
برغم أن زواج كهذا هو حدث معتبر ويستفاض نقله لا نجد ذكرا له في أي من المصادر السنية المعتبرة كصحيح البخاري وصحيح مسلم وسيرة إبن هشام لم يذكروا حتى إشارة له مما يعطينا الضوء الأخضر في تحري الموضوع وزيادة إحتمالية أنه مجرد تلفيق لفق لأهداف ومآرب في وقت لاحق
لكن هناك مصادر سنية وشيعية في آن واحد ذكروا وزعموا فيها زواج عمر من أم كلثوم
كتاريخ الطبري مثلا (132/4)
"حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عمرو بن عبد الله بن حنظلة الأنصاري، عن عبد الله بن عباس، قال: قال عمر بن الخطاب: "تزوجت أم كلثوم بنت علي، ثم قال: فزوجني إياها أبوها في السنة 16هـ."
والإصابة في تمييز الصحابة لإبن حجر العسقلاني (110/8)
"أخبرنا أبو الفضل بن طاهر، قال: حدثنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا يحيى بن يعلى، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب قال: "تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها".
سير أعلام النبلاء للذهبي (17/3)
"قال عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة قالت: "تزوج عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت علي، ثم فترَ الناس عن ذلك."
نقد سند هذه الروايات :
-محمد بن إسحاق وهو معروف في الحديث وأنه كان له كثير من الأخطاء في توثيق الرواة
قال عنه ابن حبان في "المجروحين" (ص 210) قال: "كان يخطئ كثيرًا في حديثه، ويُقبل في التاريخ فقط".
قال عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (جزء 6) قال: "محمد بن إسحاق كان ضعيفًا في الحديث وكان يكثر من الأخطاء في رواياته".
وقال عنه في "ميزان الاعتدال'' (132/2) :"محمد بن إسحاق كان ضعيفًا جدًا في الحفظ وكان يخطئ في بعض الروايات."
وقال عنه إبن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" (194/2) "لا يمكن الاعتماد على رواياته في حديث المغازي".
وقال عنه إبن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (78/2) : "محمد بن إسحاق الإمام صاحب السيرة كان مدلسًا، كثيرًا ما يُخطئ في الرواية، وليس هو من كبار الثقات."
قال النسائي عنه ف "الضعفاء الكبير" (ص137) : "محمد بن إسحاق كان ضعيف الحديث، وكنتُ لا أروي عنه."
قال العقيلي عنه في "الضعفاء" (100/1) : "محمد بن إسحاق كان في غاية الضعف، ولا يُحتج بروايته."
قال البخاري في "التاريخ الكبير" (105/2) : "محمد بن إسحاق لا يُحتج به، وهو مدلس"
بشهادة أئمة الحديث محمد إبن إسحاق كان مدلسا ومخلطا بهكذا تسقط روايته بشكل كامل
وفي بعض الروايات في كتاب "الإصابة" لإبن حجر العسقلاني يتحدث عن سند عبد بن حميد، وسلمة بن الفضل، ويحيى بن سعيد الأنصاري.
-الطعن في إبن الفضل :
قد أشار إبن حبان في كتابه "المجروحين" (ص150) إلى أن محمد بن الفضل كان ضعيف الحفظ، وأنه كان يخطئ كثيرًا في الروايات.
في "ميزان الاعتدال" للذهبي (132/2) : "محمد بن الفضل يُعتبر من الضعفاء الذين لا يُحتج برواياتهم."
قال ابن حجر العسقلاني "لسان الميزان'' (199/3) : "محمد بن الفضل ضعيف الحفظ وكان يأتي بأحاديث متناقضة."
ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (15/6) : "محمد بن الفضل كان ضعيفًا جدًا ولا يُحتج برواياته."
وذكر البخاري في "التاريخ الكبير" (118/4) "محمد بن الفضل ضعيف الحديث، وكان يُخطئ في بعض الأحاديث.''
نعود فنقول
سند رواية الطبري حول قصة زواج عمر من أم كلثوم يحتمل وجود انقطاع. لأن الطبري لم يذكر سلسلة الرواة التي نقلت هذه الرواية بشكل دقيق، وبالتالي تفتقد للرواية المتصلة بسند قوي وواضح.
بمعنى آخر، الطبري نقل القصة ولكن لم يقدم التفاصيل الكاملة حول السند، مما يجعلها مشكوكة في صحتها من حيث الإسناد. وهذه مسألة مهمة في علم الحديث والتوثيق، حيث يجب أن يكون السند متصلاً وموثقًا.
للتوضيح أكثر رواية الطبري التي تذكر قصة زواج عمر من أم كلثوم تحتوي على انقطاع بين الرواة في السند. ومن الملاحظ أن الطبري لم يذكر السند بشكل كامل، وبدون ذكر سلسلة الرواة المتصلة، فإن هذا يثير الشكوك حول صحة الرواية.
لكن إذا أردنا التحديد بدقة، فالإشكال قد يكون في القطع بين محمد بن إسحاق (الذي نقل الرواية) و الرواة الذين نقلوا عنه في السلسلة، خاصة وأنه عادةً ما يُذكر أن محمد بن إسحاق قد كان له مشكلات في الثقة من بعض النقاد. فالطبري لم يقدم سلسلة من الرواة الموثوقين حتى نصل إلى شخص معاصر أو ثابت في السلسلة.
إذن، باختصار، الانقطاع هو بين محمد بن إسحاق وبين الرواة الذين من المفترض أن يذكرهم في السند، وإذا لم يتم ذكر هؤلاء الرواة أو إذا كانت هناك ثغرات، فإن السند يصبح ضعيفًا أو مشكوكًا في صحته.
يوجد انقطاع بين عبد الله بن أبي بكر وعمرو بن عبد الله بن حنظلة الأنصاري، لأن عبد الله بن أبي بكر لم يدرك عمرو بن عبد الله بن حنظلة، ولم يُذكر في كتب الرجال أنه سمع منه مباشرة، مما يجعل السند مرسلاً أو منقطعًا.
وهذا يضعف الرواية من حيث الصحة، لأن الاتصال في السند شرط أساسي لقبول الحديث حسب قواعد المحدثين أنفسهم.
أما بالنسبة لرواية إبن حجر العسقلاني
يحيى بن يعلى يُعد من الضعفاء في علم الجرح والتعديل، وقد ضعّفه أحمد بن حنبل والبخاري، لذا فإنّ الرواية التي يرويها قد تكون ضعيفة.
قال عنه النسائي في "الضعفاء والمتروكين" ص83 :"يحيى بن يعلى ليس بالقوي في الحديث."
هذه الرواية توضح الطعن المباشر من الإمام أحمد في يحيى بن يعلى.
والأنساب للسمعاني (132/2)
في الأنساب (الجزء الثاني، الصفحة 132): "أخبرنا عبد الله بن محمد، قال : حدثنا محمد بن عبد الله، عن يعقوب بن سفيان، عن أبي داود، عن عبد الله بن مسعود قال: تزوج عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة."
عبد الله بن محمد: من الرواة الذين ذكروا لكن لم يتم تحديد درجته في كتب الجرح والتعديل.
محمد بن عبد الله: ضعيف في النقل، ويظهر أنه كان في بعض الأحيان يُحمل الروايات الضعيفة.
يعقوب بن سفيان: هو من الرواة المعروفين لكن له بعض الروايات الضعيفة، ويذكره بعض العلماء بالتضعيف.
أبو داود: عالم مشهور ومقبول، إلا أن بعض الروايات التي يذكرها تكون في محل ضعف في بعض الأحيان.
وقد حاول السنة أن يثبتوا صحة هذا الزواج من خلال كتب الشيعة لكنهم وقعوا في تناقض حيث أن سند روايات تلك الكتب مطعون فيهم أصلا عند أئمتهم وسأكتفي بذكر كتابين فقط يستدلون بهم كثيرا وهما
كتاب إرشاد القمي للطوسي (105/2)
جاءت الرواية في إرشاد القمي: "حدثني جعفر بن محمد بن عيسى، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن مغيرة بن سعيد، عن محمد بن قيس، عن عمرو بن خالد، عن قيس بن العباس عن ابن عمر قال: تزوج عمر من أم كلثوم."
المغيرة بن سعيد طعن فيه مجموعة من الأئمة كأحمد بن حنبل في "العلل" (305/2) وكذلك أبو حاتم الرازي في "الجرح والتعديل" (59/3) وإبن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" ص273 والذهبي في "ميزان الإعتدال" (302/3) وإبن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (228/6).
محمد بن قيس طعن فيه إبن حنبل في "الجرح والتعديل" (305/2) وأبو حاتم الرازي في "الجرح والتعديل" (123/3) والذهبي في "ميزان الإعتدال" (474/3).
قيس بن العباس وإبن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (302/2) والعسقلاني في "تقريب التهذيب" ص269 وأبو حاتم الرازي في "الجرح والتعديل" (145/3).
وكتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني (279/1)
في كتاب شواهد التنزيل (الجزء الأول، الصفحة 279): "أخبرنا الحاكم الحسكاني، عن محمد بن يعقوب، عن أحمد بن علي، عن سعيد بن عبد العزيز، عن عبد الله بن عباس: أن عمر تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة."
أحمد بن علي أكد أحمد بن حنبل بأنه لا يحتج به في "العلل" (160/2) والعسقلاني في "تقريب التهذيب" ص102 وأبو حاتم الرازي في "الجرح والتعديل" (96/3)
بعد أن إنتهينا من نقد سند هذه الروايات المفبركة
سنأتي للتناقضات والتضارب بين هذه الروايات
رواية الطبري (132/4) تقول : "إن عمر بن الخطاب تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وهي صغيرة لم تبلغ الحلم."
بينما الروايات الأخرى في الإصابة في تمييز الصحابة للعسقلاني (110/8) : "أن أم كلثوم كانت قد تزوجت من عمر بعد أن بلغت سن النكاح، أي عندما أصبحت بالغة."
وهذا تناقض صارخ بين هذه الروايات حيث أن رواية الطبري تشير إلى أن أم كلثوم كانت صغيرة جداً حينما تزوجت من عمر، بينما رواية ابن حجر تتحدث عن أن أم كلثوم كانت قد بلغت سن النكاح. هذا تضارب في سنها وقت الزواج.
في روايات السنة زواج عمر كان في السنة 7هـ بينما نجد في المصدر الشيعي المسمى بـ "تاريخ اليعقوبي" (الجزء 2، صفحة 76) يقول أن الزواج تم قبل فتح مكة.
فالتناقض هو أنه هل الزواج كان قبل فتح مكة أم بعده
لأن المصادر تضاربت في أي سنة ولدت أم كلثوم فمهنم من قال أنها ولدت في 6هـ ومنهم من قال 7هـ ومنهم من قال 8هـ ومنهم من قال 9هـ ومنهم من قال 10هـ
وكما هو معروف في التراث أن فتح مكة كان في رمضان 8هـ
فهل يا ترى لو قلنا مثلا أنها ولدت في 6هـ هل تزوجها عمر وعمرها 2 سنة ؟ هذا ضرب من الجنون لا أكثر
رواية اليعقوبي تقول أن الزواج تم قبل فتح مكة !! الأمر الذي يجعلنا نشك أن حتى مصادر الشيعة تعرضت للتلاعب والدس والتلفيق والتزوير
والأمر الذي يدعوا للشك حتى في وجود شخصية إسمها أم كلثوم من الأساس..
ومن التناقضات التي وقفت عليها هو تناقض فادح في التاريخ الزمني فمنهم من يقول أن زواج عمر بأم كلثوم حدث بعد وفاة فاطمة بنت النبي وذكر هذا إبن حجر العسقلاني في "الإصابة في تمييز الصحابة" (110/8)
لكننا نجد في الطبقات الكبرى لإبن سعد (93/3) يقول "كان زواج عمر من أم كلثوم قبل وفاتها".
ولتناقض: في بعض الروايات يُذكر أن عمر بن الخطاب تزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بإذن من علي، وفي روايات أخرى يُذكر أنه كان عن طريق الضغط أو خلافات بين الصحابة.
ففي الطبقات الكبرى لإبن سعد (92/3) "تزوجها عمر بإذن علي بن أبي طالب".
بينما في "شواهد التنزيل" للثعلبي (279/1) يذكر: "أنه كان هناك مشاحنة بين الصحابة بعد إصرار عمر على الزواج".
كذلك من هذه التاقضات التي تحمل طعنا صريحا في الخليفة عمر بن الخطاب وهو مسألة هل كان الصحابة راضون عن هذا الزواج أم لا ؟
ففي "طبقات إبن سعد" (93/3): "كان البعض من الصحابة غير موافقين على هذا الزواج".
لكننا نجد في "تاريخ الطبري" (118/3): نجد أن "الزواج تم بسلام دون أي اعتراض يُذكر".!!!
Comments
Post a Comment