إبن تيمية يتهم البخاري بالتزوير والتلاعب

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والسلام على من إتبع الهدى أما بعد

في مستنقع الأوهام التراثية، تطفو رواية منسوبة للنبي تقول "نحن أحق بالشك من إبراهيم"، حديث ورد في صحيح البخاري لكنه يحمل في طياته تناقضا صارخا مع القرآن العظيم والعقل والفطرة السليمة، إذ كيف يعقل أن ينسب الشك إلى نبي وصفه الله باليقين، بل ويجعله النبي محمد أقرب إليه من إبراهيم ؟

عموما هذه الرواية لا تستحق أصلا إضاعة الوقت في إهدار الكلمات لتفنيدها وبيان بطلانها فهي باطلة لكل من له عقل وضع سطرين تحت عقل. ولكن في هذا الصدد نريد أن ننقل إتهام إبن تيمية شيخ الإسلام كما يصفه السلفيين للبخاري بتحريف وتزوير هذه الرواية.ـ



في تفسير إبن تيمية الذي يسمى بالتفسير الكبير (119/5) قال : "ونظير هذا : ما في الصحيح عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ((يرحم الله لوطاً! لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي، ونحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال له ربه: (أو لم تؤمن؟ قال: بلى. ولكن ليطئمن قلبي)، وقد ترك البخاري ذكر قوله (بالشك) لما خاف فيها من توهم بعض الناس".ـ








إبن تيمية بكل وضوح ينسب للبخاري التحريف المتعمد حيث قال أنه حذف كلمة الشك لكي لا يتوهم الناس أن النبي محمد كان يشك مثلما كان إبراهيم يشك
فهذا كلام واضح وصريح ولن يأتينا من يقول أنكم لا تفهمون كلام إبن تيمية وكأن كلامه فوق الوحي الإلهي ولا يفهمه إلا شيوخ الوهابية فقط لا غير.



وهذا الإتهام الصريح من إبن تيمية للبخاري قد لاحظه بعض الشيوخ
حيث في مجموع الفتاوى لإبن تيمية الجزء الخامس عشر بتحقيق عامر الجزار وأنور الباز الصفحة 103
ذكر إبن تيمية نفس الجملة في تفسيره الكبير
"وقد ترك البخاري ذكر قوله : (بالشك) لما خاف فيها من توهم بعض الناس".
ولكننا نجد في الهامش تعليقا مهما جدا حيث قال:
"ذكر الإمام إبن تيمية أن البخاري ترك لفظة ((بالشك))، ولكن بالرجوع إلى صحيح البخاري وُجد أكثر من موضوع إثبات لفظة ((بالشك))."


وفي مجموع الفتاوى الجزء التاسع بتحقيق مصطفى عبد القادر عطا أيضا لاحظ هذا الأمر ورد على قول إبن تيمية أن البخاري أثبت لفظة ((الشك)).



طبعا محققين كتب إبن تيمية تخبطوا في توجيه كلام إبن تيمية وإخراج مراد منه غير المراد المتبادر للذهن، وبطبيعة الحال لن يستطيعوا إتهام إبن تيمية بالكذب لأنه معصوم عندهم ولا يخطئ.
ولكن وقفت على أحد الشيوخ الذين رفعوا الراية البيضاء وعجز عقلهم عن حل هذا الإشكال فقد ورد في كتاب الاحاديث المشكلة في تفسير القرآن الكريم ما يلي : "وهذا التوجيه من إبن تيمية مشكل جدا، ولا أدري ما وجهه."





هنا كلام إبن تيمية يقودنا لأمر مهم وهو أن نسخ صحيح البخاري التي كانت موجودة في عصره (القرن السابع هـ) لم يكن موجود فيها لفظة (الشك) مما دعاه للقول بهذا الأمر وبرر تحريف البخاري للرواية بأنها حذفها لكي لا يتوهم الناس أن النبي كان يشك.
ولكن محققين كتاب مجموع الفتاوى قالوا أن لفظة بالشك موجودة في صحيح البخاري

وملاحظة هامة إبن تيمية كلامه عام ومطلق وغير مخصص فهو لم يقل لفظة بالشك موجودة في نسخة وغير موجودة في نسخة أخرى
بل أطلق الكلام أن جميع نسخ البخاري غير موجودة فيها هذه اللفظة

مما يؤكد أنها تمت إقحامها لاحقا بعد عصر إبن تيمية


وهذا يقطع بما لا يبقى شيء من الشك أن كتاب صحيح البخاري كتاب تم التلاعب والدس والتزوير فيه ولم يؤلفه البخاري كما هو شكله الحالي بل مر بمراحل عديدة من التلاعب حتى وصلنا هكذا.


ختاما نحن أمام أمرين إما صحيح البخاري كتاب مزور وتم الدس فيه وإما إبن تيمية يكذب.
وأنا أرجح الخيار الأول فلا أدري أي فائدة سيستفيدها إبن تيمية إذا كذب في كلمة واحدة فقط بل كلامه يوحي أنه كان محقا فيما يقول.









واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.









Comments

Popular posts from this blog

خرافة حاطب بن أبي بلتعة

هل تعلم من أين أخذ البخاري ومسلم قصة كذبات إبراهيم ؟

خرافة عوج بن عنق