معنى الرجم الحقيقي في القرآن
بسم الله الرحمن
الرحيم، الحمد لله والسلام على من إتبع الهدى أما بعد
من أكبر المصائب
التي إرتكبها التراثيون هي تشويه وتحريف المفاهيم الإلهية المحتواة في النص
القرآني بفرض أفكار مسبقة الصنع ثم البحث لها عن مقدمات في القرآن العظيم مما أنتج
لنا مفاهيم مغلوطة وخاطئة جملة وتفصيلا ونسبت هذه المفاهيم التي هي محض أكاذيب
وإفتراءات لكتاب الله.
ومن بين هذه
المفاهيم مفهوم الرجم في القرآن فهم قاموا بتلفيق روايات ما أنزل الله بها من
سلطان ونسبوها زورا وبهتانا للنبي الكريم ثم حاولوا البحث في كتاب الله عن ما
قاموا بتلفيقه ففشلوا فما كان منهم إلا أمرين الأول قاموا بتأليف خرافة الناسخ
والمنسوخ وأن القرآن كان فيه آية (الشيخ والشيخة) وهذا الكلام الفارغ والثاني
قاموا بتحريف مفهوم الرجم في كتاب الله في جميع الآيات التي حوى ذكرها خصوصا في
القصص القرآني.
والذين اتوا من
بعدهم إلى وقتنا المعاصر بدل أن يقولوا اللهم إن هذا منكر ويقوموا بالكفر بما نسب
لأسلافهم بل حولوا أسلافهم وماقالوه إلى أصنام يدافعون ويعبدون هذه الأصنام بدل
يكفروا بها ويؤمنوا بالله تحقيقا لقوله تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد
إستمسك بالعروة الوثقى لا إنفصام لها) البقرة 256
لو عدنا للقرآن
العظيم بعيدا عن تخاريف التراث لن نجد أية علاقة بين مفهوم الرجم والرمي بالحجارة
حتى الموت بل سنجد مفهوم آخر تم تغييبه خلال التاريخ لصالح حدثنا وأخبرنا والقيل
والقال الذي ما أنزل الله به من سلطان
وكمثال بسيط عندما
راغب إبراهيم عليه السلام عن آلهة قومه جاءه التهديد من أبيه آزر بالرجم الذي
قاموا بتفسيره على أنه الرمي بالحجارة حتى الموت
قَالَ اللَّهُ جَلَّ في عُلاه: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ مريم (46).
لكن كيف يطلب منه أن يهجره بعد الرجم حتى الموت ؟ أصلا عندما يرجمه فهو يكون مات وذهبت نفسه إلى بارئها فكيف يطلب منه ذلك ؟
وعندما إستمر
إبراهيم عليه السلام على ما هو عليه من إتباع هدى الله وكفره بمعبودات قومه تمت
معاقبته ولكن كيف عاقبوه ؟
قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69)﴾. الأنبياء
وهذا يؤكد أن العقوبة أنذاك حال الكفر بالآلهة المتعبد بها هو الحرق بالنار وليس الرجم بالحجارة وهذا ينفي مفهوم الرجم التراثي جملة وتفصيلا
في كتاب الله
الرجم هو الطرد والإبعاد والإستهتار وهذا تؤكده الكثير من الآيات
فمثلا في قصة
إبليس جاء قوله تعالى بعد رفضه السجود لآدم عليه السلام
قَالَ اللَّهُ
جَلَّ وعَلَا: ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ الحجر (34).
قَالَ
سُبْحَانَهُ: ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ ص (77).
قَالَ اللَّهُ
تَعَالَىٰ: ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ
مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الأعراف (18).
قَالَ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ: ﴿وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ
أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمْ
خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ
تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا
عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ
كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا
بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّىٰ
يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)۞قَالَ الْمَلَأُ
الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّك يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ
كُنَّا كَارِهِينَ (88)). سورة الأعراف
قَالَ سُبْحَانَهُ
وتَعَالَىٰ: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا
لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ
عَلَيْنَا بِعَزِيز (91)) هود
ونرى كذلك حينما قال سليمان عليه السلام لرسول ملك سبأ
قَالَ اللَّهُ
جَلَّ وعَلَا: ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ
لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ النّمل (37).
ونفس المعنى تماما
نجده في قوله تعالى
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ
رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ
وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُم كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ
مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا
تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ الكهف (22).
حيث وصف لله تعالى القول بغير علم في مسألة غيبية
كمسألة عدد أصحاب الكهف بـ(رجما بالغيب) أي إستهتار بالغيب
صحيح أن الإستهتار في لغتنا الوضعية الإصطلاحية
العرفية يوازي معنى الإستحقار ولكن في اللسان العربي الذي نزل القرآن العظيم به
الإستهتار هو نوع من الإحتقار وقد يشتركان في نفس المصطلح ونفس الحقل الدلالي.
وهذا يتضح في قصة موسى عليه السلام
حفي الآيات
المباركة نرى أن موسى عليه السلام إستعاذ بالله من فرعون وملئه أن يرجموه أي أن
يحتقرون ويستصغروه وليس أن يرجموه بمعنى أن يرموه بالحجارة حتى الموت وهنا يوجد
سؤال يطرح نفسه، هل فرعون يا ترى كان يعاقب معارضيه ومخالفيه بالرمي بالحجارة ؟
قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ
بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ
لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الأعراف
(124).
قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ طه (71).
قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الشعراء (49).
ومعنى الطرد والإخراج يتجلى لنا من خلال هذه
المعادلة البسيطة من خلال ترتيل آيات القرآن
قَالَ اللَّهُ جَلَّ في عُلاه: ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا
عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا
أَبَدًا﴾ الكهف (20).
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿۞قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ
اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّك يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ
مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ﴾
الأعراف (88).
قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ
لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ
رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾ إبراهيم (13).
قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُم وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)﴾. يس
كيف يقولون لهم (لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم) ؟ أصلا الرمي بالحجارة في ذاته وأصله عذاب أليم فلماذا قالوا بعدها وليمسنكم منا عذاب أليم ؟
نرجوا من العقول الراكدة أن تتحرك
قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا: ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ
تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ الشعراء (116).
قَالَ تَعَالَى: ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا
لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾ الشعراء (167).
من خلال القصص القرآني يتضح لنا بشكل جلي وواضح لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن الرجم في القرآن لا علاقة له بتاتا بما يسمى بالرمي بالحجارة حتى الموت كما إفترى أصحاب المذاهب ولبسوا هذه الخرافة على كتاب الله سبحانه وتعالى ويتضح لنا مجددا مدى بعد أصحاب المذاهب عن التدبر السليم لكتاب الله تعالى وأن جل ما يفعلونه هو فرض أفكارهم ونتائجهم المسبقة الصنع ويبدؤون في فرضها على القرآن والبحث بأي طريقة لها عن مقدمات فيه.
واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
Comments
Post a Comment