غسيل الأدمغة باسم الإسلام (زورا وبهتانا): قنبلة موقوتة في المجتمع الجزائري

 غسيل الأدمغة باسم الدين زورا وبهتانا أصبح أحد أخطر التهديدات التي تواجه المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة، حيث باتت فئات من الشباب تتبنى مواقف عدائية تجاه عائلاتهم ومجتمعهم بناءً على تأويلات متشددة يُلقنونها منذ الطفولة. هذه الظاهرة تتجاوز مجرد التدين أو الالتزام، بل تتجه نحو تكوين عقلية منغلقة تُقصي الآخر وتُجرده من إنسانيته.

يبدأ غسيل الدماغ غالبًا من مراحل مبكرة، عندما يُقال للطفل إن والده عاصٍ لأنه يسمع الموسيقى، أو أن أمه ضالة لأنها لا تضع الحجاب، أو أن أخته مذنبة لأنها تدرس في جامعة مختلطة، أو أن أخوه على ضلالة لأنه ليس ملتحيا ولا يقصر، يتم إيهامه أن الإيمان الحق يتطلب كره كل من لا يوافق تلك الرؤية الضيقة، مما يخلق انفصالًا عاطفيًا وسلوكيًا عن أقرب الناس إليه.

لا يعود يرى أهله كمصدر حب أو دعم، بل كرموز للفساد والانحراف. ويبدأ في تبني نبرة استعلاء ديني وكأنّه يملك الحقيقة وحده. ومن هنا يتفكك الرابط الأسري، ويصبح الشاب فريسة سهلة للجماعات المتشددة أو الأفكار المتطرفة التي تُغذيه بمزيد من الكراهية والشكوك تجاه المجتمع.

هذه ليست مشكلة دينية بحتة، بل تربوية ونفسية واجتماعية أيضًا. فالبيت الذي يغيب عنه الحوار المفتوح، والمدرسة التي تكتفي بالتلقين بدل تعليم التفكير النقدي، والمجتمع الذي يتعامل مع الطفل على أنه مشروع حفظٍ لا مشروع فهم—كلها بيئات تُمهّد لغسل الدماغ.

الدولة تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية بسبب ضعف الرقابة على المحتوى الديني المنتشر في بعض المساجد أو المنصات الرقمية، إضافة إلى ضعف الدعم للإعلام الديني المعتدل. أما المجتمع المدني، فما زال حضوره ضعيفًا، مترددًا، وأحيانًا خائفًا من خوض هذه المعركة.

لكن الأسوأ من كل هذا هو أن يتحول الطفل إلى نسخة منغلقة من الإنسان، لا تُجيد إلا الكره والنفور، وترى في أخوته وأبويه أعداءً لمجرد اختلاف بسيط في السلوك أو اللباس أو التوجه. هذا النوع من التفكير لا يبني أمة، بل يهدمها من الداخل.

إذا أردنا حماية الأجيال القادمة من هذه السموم الفكرية، علينا أن نُعيد للدين بعده الإنساني، أن نُرسخ ثقافة التسامح والرحمة بدل الخوف والعقاب، وأن نُشجع على الحوار بدل الإقصاء. علينا أن نربّي أطفالنا على أن الإيمان لا يعني احتقار الآخرين، وأن التقوى لا تُقاس بطول اللحية أو نوع الحجاب، بل بصدق القلب ونظافة الضمير.

غسيل الأدمغة خطر حقيقي، وليس مجرد ظاهرة هامشية. هو تهديد مباشر لوحدة المجتمع، ولتوازن الفرد النفسي، وللسلم الأهلي. والتصدي له يبدأ من البيت، ويمر عبر المدرسة، ويتطلب إرادة سياسية وإعلامية ومجتمعية شاملة. إن لم نتحرك الآن، فإننا نُسلم مستقبلنا لجيل لا يرى في الآخر إلا خصمًا.

الدين لا يُلغي العاطفة، ولا يقتل الفطرة، ولا يُبرر القسوة. بل هو دعوة للحياة الكريمة، للتعايش، للتفكير، ولحب الناس. فلنُحصّن أبناءنا بالوعي، لا بالخوف. ولنمنحهم دينًا يُنير العقل لا يُطفئه.

Comments

Popular posts from this blog

خرافة حاطب بن أبي بلتعة

هل تعلم من أين أخذ البخاري ومسلم قصة كذبات إبراهيم ؟

خرافة عوج بن عنق